يقول ابن الرومي في قصيدته :
و لما رأيتُ الدهرَ يُؤْذِنُ صَرْفُهُ *** بتفريق ما بيني و بينَ الحبائب
رجعتُ إلى نفسي فوَطنْتُها على *** ركوب جميل الصبر عند النوائب
و من صحِبَ الدنيا على جَوْر حُكمها *** فأيامهُ محفوفةٌ بالمصائب
فخذ خُلسةَ من كل يومٍ تعيشُه *** و كن حذراً من كامِنات العواقب
شرح المفردات الصعبة :
- صَرْفُهُ : صرف الدهر هو مصائبه و ما يقع فيه من البلاء
- الحبائب : الأحبة
- النوائب : المصائب و المُلِمَّات
- كامنات العواقب : ما خفي من الابتلاءات و الأحداث المُحزنة
للحصول على مختارات من أشعار المدونة مجمعة في كتاب “المنتقى من أبيات واحة الشعر العربي” مع بعض الإضافات التي اختص بها المرجو الضغط على هذا الرابط
شرح الأبيات :
يبدأ ابن الرومي هذه الأبيات بذكر أثر الدهر و نوائبه في نفسه و كيف حمله على تكوين فلسفة معينة في الحياة. ذلك أن ابن الرومي لما تأمل كيف تُعْلمنا مصائبُ الدهر بقرب الفراق مع من نحب توصل إلى قناعة و منهاج حياة ألزم نفسه به لكنه لم يذكره في هذا البيت و تركه للبيت الموالي.
و في البيت الثاني يُصرِّح بما وطأَ له في البيت السابق. فذكر أنه عوَّدَ نفسه و رباها على لزوم الصبر عند وقوع المصائب و الأحداث المفجعة، لأن قضاء الله لا مرد له و ليس للإنسان سوى الصبر أمام تصاريف الدهر و نوائبه.
ثم يحذر في البيت الثالث من الركون إلى الدنيا و تعلق القلب بها و الإفتتان بزينتها و جمالها، لأن الظلم و المصائب فيها لا تكاد تنقطع. ابن الرومي هنا يشير إشارة لطيفة أنه كلما زاد تعلق قلب الإنسان بالدنيا و حبه لها كلما آلمته أكثر الإبتلاءات و المحن فيها. و على النقيض من ذلك فمن كان قلبه زاهدا فيها غير متعلق بها فليس يضره كثيرا ما قد يصيبه فيها من جور الظالمين و مصائب و أهوال، لأنه يعرف أنها بطبيعتها دار ابتلاء و امتحان و ليست دار عيش سعيد.
و في البيت الأخير يقدم نصيحة طيبة و هي ضرورة استغلال الفرص في الحياة و استثمار كل يوم يعيشه الإنسان في ما ينفعه لأن عمر المرء قصير و لا يعلم متى يحين أجله. ثم يُذَكِّر في عجز البيت بعدم الركون إلى الدنيا و استطابة العيش فيها بل لا بد من الزهد فيها و البقاء متيقظا مستعدا لما قد يصيبُ المرء فيها من عواقب لم يكن يحسب لها حسابا.