يقول أبو العتاهية في قصيدته :
عِشْ ما بدا لكَ سالماً *** في ظلِّ شاهِقَة القُصور
يُسعى عليكَ بما اشتهيتَ *** لدى الرَّواح و في البُكور
فإذا النفوسُ تقَعْقَعَت *** في ظلِّ حَشْرَجَة الصدور
فهناكَ تعلمُ موقِنا *** ما كنْتَ إلا في غُرور
شرح المفردات الصعبة :
- شاهِقَة القُصور : القصور المرتفعة العالية
- الرَّواح : الزمن من زوال الشمس إلى حلول الليل
- البُكور : أول النهار قبل طلوع الشمس
- تقَعْقَعَت : اضطربت و كان لها صوت
- حَشْرَجَة : الغرغرة عند الموت
للحصول على مختارات من أشعار المدونة مجمعة في كتاب “المنتقى من أبيات واحة الشعر العربي” مع بعض الإضافات التي اختص بها المرجو الضغط على هذا الرابط
سياق الأبيات :
يروى أن الخليفة العباسي هارون الرشيد لما اكتمل بناء قصره، أعد مائدة و زخرف مجلسه و زينه ثم دعا إليه خاصته و الشعراء – و فيهم أبو العتاهية – ثم قال له “صف ما نحن فيه من نعيم الدنيا”، فكانت هاته الأبيات التي بين أيدينا.
شرح الأبيات :
يستهل أبو العتاهية هذه الأبيات بما أراد هارون الرشيد منه و هو وصف النعيم الذي هم فيه فقال للخليفة أن له أن يعيش ما طال عمره في هذه الحياة الدنيا سالما معافا في كنف القصور العالية الفارهة المزخرفة.
و يزيد في هذا المعنى في البيت الثاني و يبرز لهارون الرشيد ما هم فيه من الفضل و النعيم و الرغد فهو يأتى في قصره بما اشتهى صباحا و مساءا فكأنما تنعمه كامل شامل غير منقوص و لا مُنَغَّص.
ثم ينتقل أبو العتاهية في البيت الثالث إلى مراده – و هو خلاف ما بدأ به أبياته – ألا و هو وعظ الخليفة هارون الرشيد و تذكيره بالله و الآخرة فيخبره أنه سيأتي يوم لا محالة ستضطرب نفسه فيه اضطرابا شديدا بسبب الغرغرة و روحه تُنتزع منه.
و في البيت الأخير يبين مراده من هذه الأبيات و هو التذكرة و الوعظ و التذكير بيوم الحساب فهو يخبر الخليفة أنه لما يحين أجله و تقبض روحه سيفهم أن كل ما كان فيه من النعيم قد صار خلفه و أنه سائر إلى لقاء ربه ليرى عاقبة عمله إن خيرا فخير و إن شرا فشر. أبو العتاهية وصف نعيم هارون الرشيد و ملكه على عظمه و زينته بأنه ما هو إلا غرور و مثله قول الله عز و جل في كتابه “و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور”.