يقول مهذل الصقور في قصيدته :
أَتظُنُّ أنَّكَ عندما أحرقتني *** و رَقصتَ كالشيطان فوقَ رُفاتي
و تركتني للذَّاريات تَذُرُّني *** كحلا لعين الشمس في الفَلَوات
أَتظُنُّ أنَّكَ قد طمستَ هويتي *** و محوتَ تاريخي و مُعتقداتي
عبثاً تحاولُ لا فناءَ لثائرٍ *** أنا كالقيامة ذاتَ يومٍ آت
شرح المفردات الصعبة :
- الذَّاريات : الرياح
- تَذُرُّني : تنثرني و تفرقني
- الفَلَوات : جمع فلاة و هي الأرض الواسعة المقفرة
للحصول على مختارات من أشعار المدونة مجمعة في كتاب “المنتقى من أبيات واحة الشعر العربي” مع بعض الإضافات التي اختص بها المرجو الضغط على هذا الرابط
شرح الأبيات :
يفتتح مهذل الصقور هذه الأبيات الجميلة – متحدثا بلسان المستضعفين – بنبرة تحدي للظالمين و الطغاة فيسخر من قصر نظرهم و فرحهم بنصرهم الموهوم بعد أن أحرقوا جثث من هزموهم و رقصوا فوق رفاتهم. و إنما تلك معان مجازية للدلالة على البطش غير المبرر و الإنتشاء المبالغ فيه بنصر غير شريف.
و يُظهر قبح أخلاق الظلمة في البيت الثاني فهم لم يكلفوا نفسهم حتى عناء دفن رفات من بغوا عليهم و أحرقوا جثثهم بل تركوها في أرض مقفرة تعبث بها الرياح. أتى الشاعر هنا بصورة بديعة لما وصف منظر الرياح و هي تنثر رفات تلك الجثث و الشمس من خلفها في الأفق ككحل ينثر في عين الشمس.
و يتساءل مستهزئا في البيت الثالث، هل هذا النصر المزعوم و الاحتفال المُغرِق في الإنتشاء قد طمس هوية المستضعفين المظلومين و محا تاريخهم وأفكارهم و معتقداتهم و ألغى وجودهم حقا كما يخيل للراقصين فوق رفاتهم؟
و في البيت الأخير يجيب على كل تلك التساؤلات إجابة مفحمة فيقطع أمل أهل الظلم و البغي في نيل مرادهم، فهم قد يسلبون أهل الحق حقهم في زمن معين و ظروف معينة لكن القصة لا تنتهي أبدا بذلك فالحق فكرة لا تموت ولا بد يأتي – ولو بعد حين – جيل يرد الحقوق إلى أصحابها. إن رجوع الحق لأصحابه حتمي كما هو حتمي قيام الساعة، ذلك أن القوة لا تدوم لأحد و لطالما دار الزمان دار دورته المعهودة فانقلبت موازين القوى و كما يقول المثل الشهير “على الباغي تدور الدوائر”. هذه الأبيات دعوة من الشاعر بالصمود لكل مظلوم مقهور حتى لو لم يرجع إليه حقه في حياته لأن العبرة ليست دائما بذلك.