يقول تميم البرغوثي في قصيدته :
أنا عالِمٌ بالحزن منذُ طفولتي *** رفيقي فما أُخْطيهِ حينَ أُقابله
و إنَّ لهُ كفًّا إذا ما أراحها *** على جبلٍ ما قام بالكف كاهِلُه
يُقَلِّبُني رأسا على عقبٍ بها *** كما أمْسَكَتْ ساقَ الوليد قوابله
و يحملني كالصقر يحملُ صيدَهُ *** و يعلو به فوق السحاب يُطاوِلُه
فإنْ فرَّ من مِخْلابه طاح هالكا *** و إنْ ظَلَّ في مِخْلابه فهوَ آكله
شرح المفردات الصعبة :
- أراحها : وضعها
- كاهِلُه : الكاهل هو ما بين الكتفين من الإنسان
- يُطاوِلُه : يغالبه في العلو و الإرتفاع
للحصول على مختارات من أشعار المدونة مجمعة في كتاب “المنتقى من أبيات واحة الشعر العربي” مع بعض الإضافات التي اختص بها المرجو الضغط على هذا الرابط
شرح الأبيات :
يستهل تميم البرغوثي هذه الأبيات بذكر علاقته بالحزن – متحدثا في ذلك بلسان الأمة – فيصف أن الحزن طبع قصة حياته كلها. فقد عرفه منذ طفولته و صباه، ثم استمر ملازما له طول حياته حتى صار رفيق دربه و صار شعوريا اعتياديا لا يفارقه.
ثم في البيت الثاني يذكر صفات هذا الحزن العميق الدفين الذي لا يفارقه البتة، فيصفه أنه ذو قبضة محكمة يصعب الفكاك منها. يصور تميم البرغوثي كف ذلك الحزن الذي يسيطر عليه بأنها لو وضعت فوق جبل ما استطاع الجبل النهوض من شدة ثقلها، و تلك كناية جميلة على أن هذا الحزن عظيم الكف محكم القبضة لا سبيل إلى الخلاص منه.
و في البيت الثالث يذكر أحواله مع ذلك الحزن الذي يتملك فؤاده فهو ليس حزنا رتيبا يُتعود نمطه، بل هو حزن متنوع متعدد الأشكال و الوجوه. يشكو تميم البرغوثي أن هذا الحزن يقلبه رأسا على عقب و يعبث بكيانه و يحكم قبضته عليه بشدة، و شبه ذلك بإمساك القابل للوليد إثر ولادته، فقبضتها محكمة عليه مخافة سقوطه و هو فوق ذلك ضعيف لا حول له و لا قوة فلا سبيل له إلى الخلاص.
أما في البيت الرابع فيصف كيف هذا الحزن العميق يتملكه بشدة و يذهب به إلى عوالم أخرى حتى يكاد يعزله عما حوله. و شبه حاله معه بالصقر الذي يمسك فريسته بمخالبه بإحكام و يطير بها عاليا فوق السحاب.
و في البيت الأخير يعترف باستسلامه أمام ذلك الحزن العميق الحتمي الذي كان جزءا من حياته كلها. إنه و حزنه كمثلِ فريسة في مخالب صقرٍ جارح محلق في أعالي السماء، فالبقاء في تلك المخالب يعني أن تكون طعاما للصقر و صغاره و الإفلات منها يعني الهلاك سقوطاً من علٍ في مكان سحيق.