يقول حسان بن ثابت في قصيدته :
حَصانٌ رزانٌ ما تُزَنُّ بِريبَةٍ *** و تُصبحُ غَرْثى مِن لُحوم الغوافل
حليلةُ خيرِ الناس ديناً و منصباً *** نبيِّ الهُدى و المَكْرُمات الفواضل
عقيلةُ حيٍّ من لُؤيِّ بن غالبٍ *** كرامِ المَساعي مجدُهم غيرُ زائل
مُهذبةٌ قد طيَّبَ الله خِيمَها *** و طَهَّرها من كل سوءٍ و باطل
شرح المفردات الصعبة :
- حَصانٌ رزانٌ : مُحصنة عفيفة رزينة راجحة العقل
- تُزَنُّ بِريبَةٍ : تُتَّهم و يُظنُّ بها السوء
- غَرْثى : جائعة
- عقيلةُ : سيدة
- خِيمَها : أصلها و طبيعتها
سياق الأبيات :
كان حسان بن ثابت رضي الله عنه ممن تكلم في حادثة الإفك و قد أقام عليه النبي صلوات الله و سلامه عليه الحد بعد أن نزل القرآن ببراءة عائشة رضي الله عنها. ثم إنه رضي الله عنه قد تاب و اعتذر مما صدر عنه و كتب قصيدة في مدح أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها و قد اقتبست منها الأبيات التي بين أيدينا.
شرح الأبيات :
يفتتح حسان بن ثابت هذه الأبيات بمدح أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بخير ما تمدح به النساء، و هو العفة و الطهارة و رجاحة العقل، فوصفها بأنها محصنة عفيفة وقورة رزينة راجحة الرأي و أن سيرتها طيبة عطرة فلا تُتهم و لا ترمى بسوء أو شبهة. و في عجز البيت يمدحها بتعففها عن اغتياب الناس و التكلم فيهم بسوء و صور لذلك تصويرا جميلا حيث وصفها أنها جائعة من لحوم الغافلين كناية عن امتناعها عن اغتياب الناس و لو اغتابتهم لأصبحت شبعانة من لحومهم. و قد قال الله عز و جل في كتابه : “أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ” زجرا للمسلمين أن يغتاب بعضهم بعضا.
و في البيت الثاني يمدحها بأعظم ما تُمدح به أم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها، فهي زوجة خاتم الأنبياء و المرسلين المصطفى صلوات الله و سلامه عليه أتقى عباد الله و أعظمهم رفعة و منزلة، نبيِ الهدى و مكارم الأخلاق. و ليس هذا فحسب فقد كانت عائشةُ أحبَّ أزواجه إليه و ابنةَ أحبِّ الرجال إليه أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
ويسترسل في مدحها فيذكر شرف نسبها فهي تنتسب إلى لؤي بن غالب الجد الثامن للنبي صلوات الله عليه و هي سيدة في قومها. ثم يمدح قومها بعلو الهمة و السؤدد و المجد و كرم المسعى و في هذا مدح ضمني لعائشة رضي الله عنها فمن كان كريمَ قوم كرامٍ فهذا زيادة في تشريفه و تكريمه.
و يختم في البيت الأخير بمدح جليل لأم المؤمنين عائشة رضوان الله عليها، فوصفها أنها حسنة الأخلاق مهذبة الطباع طيبة الأصل و المنبت، و قد شرفها الله عز و جل أن برأها مما اتهمت به من فوق سبع سماوات و أنزل في براءتها آيات تتلى إلى أن يرث الله الأرض و من عليها.