يقول امرؤ القيس في معلقته :
و ليلٍ كمَوْجِ البحر أَرْخى سُدُولهُ *** عليَّ بأنواع الهُموم ليبتلي
فقلتُ لهُ لما تَمَطَّى بصُلبِه *** و أَرْدَفَ أعْجازا و ناءَ بكَلْكَلِ
ألا أيها الليل الطويلُ ألا انْجلِ *** بِصُبحٍ و ما الإصباحُ منْكَ بأمْثل
فيالكَ من ليلٍ كأنَّ نجومَهُ *** بِكلِّ مُغارِ الفَتْلِ شُدَّت بيَذْبُل
كأَنَّ الثُّرَيَّا عُلِّقت في مَصَامِها *** بأمْراسِ كتَّانٍ إلى صُمِّ جَنْدَلِ
شرح المفردات الصعبة :
- أَرْخى سُدُولهُ : أدلى ستائره
- تَمَطَّى بصُلبِه : تمدد بجسده
- أَرْدَفَ أعْجازا : أتبع آخره
- ناءَ بكَلْكَلِ : جَهَد في القيام لثِقَل صدره
- مُغارِ الفَتْلِ : شديد الفَتْل من الحبال
- يَذْبُل : هضبة حمراء بالحجاز
- الثُّرَيَّا : عُنْقود نجمي شديد اللمعان
- مَصَامِها : موضعها
- أمْراسِ كتَّانٍ : حبال صنعت من نبات الكتان
- صُمِّ جَنْدَلِ : الصخور العظيمة الصلبة
سياق الأبيات :
الأبيات مقتطفة من معلقة امرئ القيس الذائعة الصيت و التي مطلعها : “قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل”.
شرح الأبيات :
في البيت الأول يبدع امرؤ القيس في وصف الليل الطويل بتصوير جميل، فيصفه بأنه كموج البحر لشدته و تتابعه دون انقطاع ثم يصفه بأنه كالستائر السوداء القاتمة التي يرخيها على نفسه فتصيبه بالغم و الحزن. امرؤ القيس هنا يصف الحالة النفسية التي يعيشها و ما يقاسيه من الوحدة و الهموم التي يزيد من وطأتها طول الليل الجاثم على صدره، والذي صوره كخصم له يريد أن يمتحنه ليرى درجة صبره و تحمله.
ثم في البيت الثاني يتخيل امرؤ القيس الليل كجمل ضخم تمدد بجسده العظيم حتى غطى الأفق و أتبعه عجزه و استرخى حتى ثقل عليه صدره و صعب عليه النهوض و القيام، و هذا تصوير جميل للدلالة على أنه ليل طويل لا يقارب أن ينقضي كالجمل الضخم الذي تمدد و استرخى و ما عاد يستطيع القيام. ثم لما رأى امرؤ القيس من الليل هذا الذي لم يَسُرَّه، عمد إلى مخاطبته في البيت الموالي و في هذا كناية عن إحساس الوحدة و الوحشة القاتلتين التي يستشعرهما.
يخاطب امرؤ القيس الليلَ في البيت الثالث بلغة فيها حنقٌ و ضيقٌ فيسأله أن ينقشع و ينجلي حتى يطلع الصبح و تخف عليه همومه و أحاسيس الوحدة و الوحشة التي تملَّكَتْه. وفي قوله “و ما الإصباح منك بأمثل” دلالة على أنه لا يجد من هذا الليل نفعا يصيبه و لا أحبَّ على قلبه من أن يزول و ينجلي فاسحا المجال للصبح الذي تتوق إليه نفسُ الشاعر.
أما في البيت الرابع فيتعجب امرؤ القيس بنبرة يائسة من شدة طول هذا الليل فكأنما نجومُ السماء شدت بحبال متينة مفتولة إلى هضبة “يذبل” في الحجاز فمتى حاول الليل الانسلاخ لم يستطع لأن النجوم محكمة الوثاق في مواقعها لا تستطيع الحراك.
و يسترسل في هذا المعنى في البيت الاخير و يبرز يأسه من أن ينجلي الليل و ذلك أنه يبدو كما لو كانت نجوم الثريا العنقودية الساطعة اللمعان في السماء مربوطة بحبال كتان ضخمة متينة إلى صخور عظيمة صلبة فلا سبيل بتاتا إلى تحريكها و لا سبيل لهذا الليل اللا متناهي أن ينقشع و تنقشع معه هموم امرئ القيس و أحزانه و شجنه.