يقول عنترة بن شداد في قصيدته :
حَكِّم سُيوفَكَ في رقابِ العُذَّلِ *** و إذا نَزَلتَ بدار ذُلٍّ فارحلِ
و إذا بُليتَ بظالمٍ كن ظالما *** و إذا لقيتَ ذوي الجهالة فاجهل
و إذا الجبانُ نهاكَ يوم كريهةٍ *** خوفا عليك من ازدحام الجَحْفَل
فاعصِ مقالتَهُ و لا تحفِل بها *** و اقدِم إذا حَقَّ اللِّقا في الأول
واختر لنفسك منزلا تعلو به *** أو مُت كريما تحت ظُلِّ القَسْطَل
شرح المفردات الصعبة :
- العُذَّلِ : اللائمين و المعاتبين
- يوم كريهةٍ : يوم الحرب
- الجَحْفَل : الجيش الجرار الكثير العدد
- القَسْطَل : الغبار الساطع حين يحمى الوطيس في ساحة القتال
للحصول على مختارات من أشعار المدونة مجمعة في كتاب “المنتقى من أبيات واحة الشعر العربي” مع بعض الإضافات التي اختص بها المرجو الضغط على هذا الرابط
شرح الأبيات :
يدعو عنترة بن شداد إلى عدم فتح المجال للائمين و المعاتبين و الاستماع إلى كلامهم و تقريعهم بل يرى أن الأصلح هو تحكيم السيف فيهم بضرب رقابهم و كف أذاهم و شرورهم. ثم يسترسل في ذكر فلسفته في الحياة فهو لا يرضى الذل بتاتا و متى كان في موضع يستشعر فيه المهانة و الذل غادره و رحل عنه مهما كان الثمن و التضحيات. عنترة بن شداد يرى أن الإباء و عزة النفس لا مساومة فيهما و يستحقان كل تضحية مهما عظمت.
و يسترسل في هذا المعنى في البيت الثاني فهو لا يرضى الظلم و الضيم و متى ابتلي بجبار يريد أن يظلمه و يذله فإن عنترة بن شداد يريه جبروتا أعظم من جبروته و يذله إذلالا أشد. و كذلك الحال مع ذوي الجهالة و من يحب أن يفرض عليه أمرا معينا قهرا فإن عنترة بن شداد يريه من نفسه جهالة أعظم من جهالته. هذا البيت يشبه كثيرا في معناه بيت عمرو بن كلثوم في معلقته : “ألا لا يجهلن أحد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا”.
و في البيت الثالث يحذر من الجبن و أهله و نصائحهم ولو لبست تلك النصائح لباس الحكمة و الخوف على المنصوح من خوض غمار معركة خاسرةٍ أمام جيش جرار كثير العدد. غير أن عنترة بن شداد لم يذكر الصنيع المناسب لرد تلك النصيحة في هذا البيت و ترك ذلك للبيت الموالي.
أما في البيت الرابع فيتم ما قدم له في البيت السابق فيحتقر الجبناء و يحض على عصيان مقالتهم، بل و يدعو إلى عدم الإكثرات و المبالاة بها إمعانا في احتقارها و احتقار قائلها. ثم يدعو إلى الشجاعة و الإقدام في أول الصفوف مهما كان العدو قويا مهابا كثير العدد. إن عنترة بن شداد يكره الجبن و أهله و يفضل عليه الموت ميتة شجاعة إذا اقتدى الأمر و هذا يذكر بمقولة خالد بن الوليد الخالدة و هو على فراش الموت لما قال : “فلا نامت أعين الجبناء”.
و يختم عنترة بن شداد في البيت الاخير بذكر فلسفته الراسخة في الحياة فهو إما أن يعيش عزيزا كريما مُهابا ساميا في منزلة يحترمه الناس فيها و ينزلونه قدره الذي يستحقه أو يموت كريما في ساحات الوغى تحت ظل الغبار الساطع و السيف في يده مقبلا غير مدبر، لأن الإباء و عزة النفس يستحقان تمام الاستحقاق أن تسيل دماء المرء في سبيلهما.