يقول أبو تمام في قصيدته :
يعيشُ المرءُ ما استحيا بخيرٍ *** و يَبقى العودُ ما بقِيَ اللِّحاءُ
فلا و الله ما في العيش خيرٌ *** و لا الدنيا إذا ذَهبَ الحياءُ
إذا لم تخشَ عاقبةَ الليالي *** و لَمْ تستحِي فافعلْ ما تشاء
لئيمُ الفعلِ من قومٍ كرامٍ *** لهُ مِن بينهم أبداً عُوَاء
شرح المفردات الصعبة :
- اللِّحاءُ : القشرة التي تغطي الخشب في ساق الشجر
- لئيمُ الفعلِ : من كان قبيحَ الصنيع خسيسَ الأخلاق
- عُوَاء : صوت الذئب أو بعض السباع و يطلق أيضا على نباح الكلب الممتد
شرح الأبيات :
يمدح أبو تمام خُلُقَ الحياء مدحا عظيما حتى أنه يربط طيب حياة المرء و حسنها به فمن اتصف بالحياء فإن عيشه لا بد و أن يكون كريما طيبا. ثم يضرب مثلا لطيفا في تشبيه أثر الحياء في روح الإنسان فيصفه بأنه كاللحاء إلى خشب الشجر فمتى حُفِظ اللحاء حُفِظ العود معه و كذلك الحياء هو جُنَّة و حصن و حفظ لكرامة الإنسان و روحه و شرفه. و قد قال النبي صلوات الله و سلامه عليه في الحديث الذي رواه مسلم : “الحياء كلُّه خير” و هو من جوامع كلمه.
و في البيت الثاني يحذر أبو تمام من مغبة و عاقبة ترك الحياء سواء على الفرد أو المجتمع حتى إنه ليرى أن العيش و الحياة الدنيا كلها لا خير فيهما و لا قيمة لهما إن ذهب الحياء. و مثل هذا جلِيٌّ في المجتمعات التي تركت الحياء قديما و حديثا و ما جره ذلك عليها من تدهور أخلاقي و تفكك اجتماعي و أسري.
أما في البيت الثالث فيذكر أمران عاصمان للإنسان – إن كان له قلب و بصيرة – يحجبانه عن عمل السوء و المنكر و هما خشية سوء العاقبة و الحياء. فمن انتفى هذان الوازعان في صدره فلم يخش انتقام الله منه و تقلب الدهر عليه و لم يستح أن يُرى على حال سوءٍ فلا واعظ له بعد ذلك و لا يبعد أن يصنع أي صنيع مهما قَبُحَ و كان مستنكرا مستقذرا. و قد قال المصطفى صلى الله عليه و سلم في الحديث الذي رواه البخاري : “إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت”
و في البيت الأخير يبين أنه من كان من قومٍ كرامٍ مشهورين بالفضيلة ومكارم الأخلاق فحرِيٌّ به أن يكون على شاكلتهم لأنه من كان لئيم الفعل قبيح الصنيع وسطهم فسرعان ما يتمايز عنهم و يبدو ذلك جليا للناس، فشبه سوءَ خُلُقه بصرخات العواء التي توحي بوجوده و اختلافه عن قومه. معنى التمايز هذا معنى عميق في أن الأخلاق القبيحة تبرز و يكون وقعها أشد في الوسط الطيب الفاضل.