يقول الفرزدق في قصيدته :
هذا الذي تعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأَته *** و البيتُ يعرفُه و الحِلُّ و الحرم
هذا ابن خير عباد الله كُلِّهِمُ *** هذا التقي النقي الطاهر العَلَمُ
هذا ابنُ فاطمةٍ إن كنتَ جاهلَه *** بجدِّهِ أنبياءُ الله قد خُتموا
و ليس قولك من هذا بضائِرِه *** العُربُ تعرِفُ من أنْكَرت و العجم
شرح المفردات الصعبة :
- البَطْحاءُ : السهل المنبسط الفسيح
- الحِلُّ : ما كان خارج حدود البلد الحرام
- العَلَمُ : ذائعُ الصيت و الشهرة
- ضائِرِه : ضارٍّه و وواضع قدره
سياق الأبيات :
حج هشام بن عبد الملك بن مروان في سنة – ولم يكن يومئذ قد صار خليفة – و معه وجهاء من الشام و فيهم الفرزدق و هو من شعراء الأمويين. فلما طاف هشام بن عبد الملك بالبيت لم يستطع استلام الحجر لشدة الزحام، فلما اتم مناسكه جلس قبالة الكعبة ينظر إليها فإذا بعلي بن الحسين زين العابدين يطوف و كلما أراد استلام الحجر فسح الناس له تعظيما لمقامه. كره هشام بن عبد الملك أن يتشوف أهل الشام إلى زين العابدين فتساءل “من هذا؟” كأنه لا يعرفه، فرد عليه الفرزدق بقصيدة جميلة مطلعها هاته الأبيات التي بين أيدينا.
شرح الأبيات :
يفتتح الفرزدق مدحه البديع لزين العابدين علي بن الحسين بذكر شهرته الواسعة حتى أن السهل الفسيح كثير الحصى ليعرف وطأته متى مشى فيه و حتى أن البيت الحرام يعرفه متى طاف به أو استلم ركنا من أركانه. ثم جعل شهرته عامة شاملة فهو معروف في البلد الحرام و معروف فيما دون البلد الحرام فلا يكاد يجهله مخلوق أو بقعة من الأرض.
و في البيت الثاني يمدحه بخير ما يمكن أن يمدح به فيصفه أنه ابن المصطفى رسول الله صلى الله عليه و سلم سيد الثقلين و كفى بهذا شرفا و رفعة، و يزيد على ذلك أنه نقي طاهر الجسد تقي طاهر الروح معروف بشمائله الحسنة في الناس.
أما في البيت الثالث فيمدحه بنسبه إلى فاطمة رضي الله عنها بنت محمد صلوات الله و سلامه عليه وهو خاتم الأنبياء و المرسلين وهذا تأكيد على شرف زين العابدين علي بن الحسين و علو منزلته. و قوله “إن كنت جاهله” فيه تقريع أن يجهل المرء من كانت فاطمة أمَّهُ و النبي صلوات الله عليه و سلامه جدَّهُ.
و في البيت الأخير يرد على هشام بن عبد الملك – الذي صار لاحقا من خلفاء الأمويين – حين تساءل “من هذا؟” لما رآه من تعظيم الناس له في المسجد الحرام فيخبره أن إنكارك لشخص زين العابدين لا ينقص من قدره و ليس يضره أن لا تعرفه أو تدعي أنك لا تعرفه لأن العرب و العجم تعرفه. الفرزدق هنا يذكر فائدة لطيفة و هي أن جهل المرء بمن اشتهر بين الناس بالخير لا ينقص من قدر المشهور بل ينقص من قدر من جَهِلَ أو أنكر شهرته.
روابط الأبيات على مواقع التواصل الإجتماعي :