يقول أبو البقاء الرندي في قصيدته :
يا مَن لذِلَّة قومٍ بعد عزهم *** أحالَ حالهم كفرٌ و طغيان
بالأمس كانوا ملوكا في منازلهم *** و اليوم هم في بلاد الكفر عُبْدان
فلو تراهُم حيارى لا دليل لهم *** عليهم من ثياب الذل ألوان
و لو رأيتَ بُكاهم عند بيعهمُ *** لهالك الأمرُ و اسْتَهْوَتك أحزان
شرح المفردات الصعبة :
- أحالَ حالهم : بدل حالهم و غيره
- عُبْدان : عبيد
- اسْتَهْوَتك أحزان : تمَلَّكَتك و هاجت عليك
سياق الأبيات :
الأبيات مقتطفة من مرثية أبي البقاء الرندي في الأندلس و التي مطلعها “لكل شيء إذا ما تم نقصان”.
شرح الأبيات :
يفتتح أبو البقاء الرندي أبياته برثاء حزين و حسرة بليغة على ما آلت إليه أحوال المسلمين في الأندلس و الذل و الهوان الذي أصابهم بعد أيام عزتهم و سطوتهم. ثم يضع يده في عجز البيت على أصل الداء و سبب الهزيمة و الخذلان و هما أمران : أولها تضييع أمر الله و ثانيهما الطغيان و الظلم و عدم العدل.
و في البيت الثاني يصور تصويرا دقيقا إلى أي مدى بلغ هوان المسلمين في الأندلس بعد هزيمتهم، فمن كانوا بالأمس ملوكا و سادة و أصحاب سلطة و نفوذ قد صاروا اليوم عبيدا يباعون في أسواق النخاسة، بل و يزيد من وطأة ذلك أنهم عبيد في بلاد الكفر لا الإسلام و هذا أخوف منه على حالهم و دينهم.
و يسترسل في تصويره هذا في البيت الثالث فيذكر حالهم و هم حيارى لا يصدقون كيف انقلب عزهم ذلا و كيف انتقلوا من سادة أحرار إلى عبيد يباعون و يشترون و قد كانوا لا يضربون من قبل لذلك حسابا. ثم يصف كيف أن الذل الذي أصابهم نفسي جسدي متعدد الأشكال و الألوان فصوَّر له بوصف “ثياب الذل” كناية على أنه لصيق بهم لا يفارقهم كثيابهم.
و في البيت الأخير يشجن شجنا عميقا لحالهم و يتحسر عليهم فمن رأى حالهم و هم يبكون عند بيعهم في أسواق العبيد لا بد أن يُفجع و يُصدم لذلك و يتملكه حزن و آسى عظيم. أبو البقاء الرندي يرسل موعظة خالدة صالحة لكل زمان و مكان أن من ضيع أمر الله و استهان بأمره و نهيه و عاث في الأرض فسادا و ظلما فلا يبعد أن تتقلب أحواله في الدنيا من عز إلى ذل جزاءا له على سوء صنيعه و تفريطه.
لمطالعة المزيد من أبيات أبي البقاء الرندي، المرجو الضغط هنا
روابط الأبيات على مواقع التواصل الإجتماعي :