يقول زهير بن أبي سلمى في قصيدته :
سئمتُ تكاليف الحياة و من يَعِشْ *** ثمانينَ حولاً لا أب لك يسأمِ
رأيتُ المنايا خَبْطَ عَشْواءَ من تُصب *** تُمِتْه و من تُخطئ يُعَمَّر فيَهْرَم
و مهما تكن عند امرئ من خليقةٍ *** و لو خالها تَخْفى على الناس تُعْلَم
و أعلم ما في اليوم و الأمسِ قَبلهُ *** و لكنني عن علم ما في غدٍ عَمي
شرح المفردات الصعبة :
- تكاليف الحياة : مشاقَّها و أعباؤها
- حولاً : عاماً
- خَبْطَ عَشْواءَ : ضرب يدي و رجلي الناقة التي لا تبصر ليلا
- خليقةٍ : خُلُقٍ و طَبْع
- عَمي : أعمى
شرح الأبيات :
بعد أن جاوز من العمر ثمانين سنة، يصرح زهير بن أبي سلمى – بعد أن بلغ من الكبر عتيا – أنه قد سئم تكاليف الحياة و مشاقها و محنها، و حري بمثله أن يقول هذا و هو الذي عاصر حرب داحس و الغبراء الطويلة و ما جرته من آلام وويلات. هذا التصريح من زهير بن أبي سلمى لعل فيه تسلية له و إعدادا للنفس للموت و الرحيل عن هذه الدنيا ذلك أنه أحس أن ساعته دنت.
ثم في البيت الثاني يسترسل في ذكر الموت تصريحا لا تلميحا و يبرز نظرته حوله، فزهير بن أبي سلمى يرى أن المنايا لا يؤمن جانبها و لا يعلم زمن حلولها، فهي قد تصيب الشاب القوي المعافى فينتهي أجله و قد تمهل الشيخ العليل فيعيش حتى أرذل العمر.
يتحول زهير بن أبي سلمى في هذا البيت عن ذكر الموت ليذكر حكمة عظيمة بليغة، و هي أن الحياة تجلو معادن الناس و تكشف سرائرهم حسنها و قبيحها. فمن كان له خلق أو طبع فإنه سينجلي يوما للناس مهما حاول أن يخفي ذلك عنهم. لعل الحكمة من هذا البيت أن الشاعر يدعو إلى صفاء السريرة و حسن الخلق حتى إذا انجلى الباطن يوما للناس كان طيبا حسنا مزكى.
ثم يختم زهير بن أبي سلمى في البيت الأخير بالتواضع و التسليم فهو يقر بأنه و إن كان عالما بما وقع في يومه و أمسه لكنه – و إن كان ذا خبرة بالحياة و بلغ ثمانين سنة – فهو عاجز عن استطلاع ما قد يقع في المستقبل لأن علم الغيب فوق حوله و طاقته. هذا البيت تسليم و إقرار بعجز الإنسان و محدودية قدرته يصدر من رجل حكيم عاش فوق ثمانين سنة و عرف الحياة و خبرها.
لمطالعة المزيد من أبيات زهير بن أبي سلمى، المرجو الضغط هنا
روابط الأبيات على مواقع التواصل الإجتماعي :