يقول المتنبي في قصيدته :
يا أعدلَ الناس إلا في معاملتي *** فيكَ الخصامُ و أنت الخصمُ و الحكمُ
أُعيذُها نظراتٍ منك صادقةَ *** أن تَحْسِب الشحم فيمَنْ شحمه ورم
و ما انتفاع أخي الدنيا بناظِره *** إذا استوت عنده الأنوار و الظلم
سيعلم الجمعُ ممن ضمَّ مجلسنا *** بأنني خير من تسعى به قدم
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي *** و أسمعت كلماتي من به صَمَم
شرح المفردات الصعبة :
- أُعيذُها : أحصنها و أحفظها بالله
- ورم : انتفاخ العضو لمرض فيه
- ناظِره : بصرِه
- صَمَم : فقدان حاسة السمع
شرح الأبيات :
يفتتح المتنبي هذه الأبيات بعتاب بديع و ذكي لسيف الدولة الحمداني فقد قدّم لعتابه بأن وصفه بأنه أعدل الناس و هذا مدح و تشريف عظيم لشخصه، ثم جعل المتنبي نفسه بعد ذلك المستثنى الوحيد ممن شملهم هذا العدل. هذا الأسلوب الجميل في العتاب أرجى في تحقيق المأمول من المُعاتَبِ لأن العتاب لا قدح فيه بل فيه تشريف و مدح و هو أرجى أن يحقق سيف الدولة للمتنبي مراده حتى يكون أعدل الناس تماما في عينه. أما في عجز البيت فيذكر مفارقة لطيفة و هي أن سيف الدولة هو المُخْتَصمُ منه و المُخْتَصمُ إليه فكأنما المتنبي يشير أنه لا حيلة له أمام سيف الدولة.
و في البيت الثاني يحط المتنبي من قدر الوشاة و حساده الذين يحضرون مجلس سيف الدولة فيحذره من أن يرفع شأنهم لأنهم ليسوا أهلا لذلك. فما يراهم فيهم من مزايا حميدة ما هو إلا سوء و خبث فصَوَّرَ المحمود بالشحم و المذموم بالورم و استعاذ بالله لبصر سيف الدولة و بصيرته أن يريا ما هو ورمُ شحماً.
و استرسل في هذا المعنى في البيت الثالث فالمتنبي يرى أن بصر الإنسان و بصيرته ينفعانه إذا رأى بهما الأمور على حقيقتها، أما من استوى عنده النور و الظلمات و الخير و الشر و النفع و الضرر فلا خير يرجى بعد في بصره و بصيرته.
ثم يتحول في البيت الرابع إلى أكثر ما يعشقه المتنبي في أشعاره و هو مدح ذاته فمدح نفسه مدحا عظيما حيث وصف نفسه بأنه خير من تحمله الأقدام وتحدى بذلك من حضر مجلس سيف الدولة أنه سيجيء زمان يعرفون فيه قدره و شرفه و علو شأنه.
و يختم المتنبي في البيت الاخير بمدح نفسه مدحا هو من روائع الشعر العربي حيث وصف شعره بالتميز و التفرد و القيمة العالية حتى أن الأعمى إذا نظر في أبياته أبصرها و هو لا يبصر و حتى أن الأصم إذا تُلِيت عليه سمعها و هو لا يسمع.
لمطالعة المزيد من أبيات المتنبي، المرجو الضغط هنا
روابط الأبيات على مواقع التواصل الإجتماعي :