يقول أبو البقاء الرندي في قصيدته :
لكل شيء إذا ما تم نقصان *** فلا يغرَّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأمور كما شاهدتُها دُوَلٌ *** من سَرَّهُ زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تبقي على أحد *** و لا يدوم على حال لها شان
يمزق الدهر حتما كل سابغة *** إذا نَبَتْ مَشْرَفِيَّاتٌ و خُرْصان
شرح المفردات الصعبة :
- دُوَلٌ : جمع دَوْلَة و هو أن تظفر حينا و تخيب آخر
- سابغة : درع شاملة للجسد واقية له
- نَبَتْ : عَجَزَتْ
- مَشْرَفِيَّاتٌ : سيوف
- خُرْصان : رماح
سياق الأبيات :
أنشد أبو البقاء الرندي قصيدة حزينة يرثي فيها أرض الأندلس و زوال الإسلام منها و ما صار إليه حال المسلمين فيها، و مطلع هذه القصيدة هو هاته الأبيات التي بين أيدينا.
شرح الأبيات :
يفتتح أبو البقاء الرندي أبياته بحكمة خالدة و هي أنْ ليس بعد التمام إلا النقصان، فأي شيء حَسُنَ و جمل و استوى في هذه الحياة الدنيا و بلغ ذروته فمآله بعد ذلك إلى النقصان و الزوال و لأجل ذلك لكل شيء إذا ما تم نقصان و تلك سنة كونية. فمن كان حكيما متبصرا لم يغره التمام و طيب العيش لأن ذلك يوشك أن يزول.
و يسترسل في هذا المعنى في البيت الثاني فمما عاينه أبو البقاء في حياته أن العزة و الظَّفَرَ لا يدومان لأحد فمن عاش زمن عز و قوة لا يبعد أن يعيش بعده أزمان قهر و ذلة.
و يذكر في البيت الثالث خاصية أصلية في هذه الحياة الدنيا و هي أن الفناء فيها حتمي فهي لا تبقي على أحد، كما أنها سريعة التقلب فلا يدوم فيها شيء على حال ثابتة. أبو البقاء هنا يحذر من الركون إلى الدنيا و الاغترار بها فلا شيء يدوم و يخلد فيها.
ثم يضرب في نهاية الأبيات مثلا لطيفا، فحتى الدرع القوية المتينة و إن عجزت السيوف القاطعة البتارة و الرماح المتينة أن تقطعها و تمزقها فإن الدهر بلا شك كفيل بذلك حيث سيتآكل معدنها مع الزمن لا محالة.
روابط الأبيات على مواقع التواصل الإجتماعي :