يقول زهير بن أبي سلمى في قصيدته :
و من لا يُصانِع في أمور كثيرة *** يُضَرَّس بأنياب و يوطأ بَمنْسِم
و من يكُ ذا فضل فيبخل بفضله *** على قومه يُستَغن عنه و يُذمَم
و من يجعل المعروفَ من دونِ عرضِه *** يَفِرْه و من لا يتق الشتم يُشتَم
و من لا يذُذْ عن حوضه بسلاحه *** يُهَدَّم و من لا يَظْلم الناس يُظلم
و من هاب أسباب المنايا يلْقَها *** و لو رام أسباب السماء بسُلَّم
شرح المفردات الصعبة :
- يُصانِع : يُداري
- يُضَرَّس : يُعَض
- منْسِم : طرف خُفِّ البعير
- يَفِرْه : يَحْميه
- رام : قصد و طلب
شرح الأبيات :
يفتتح زهير بن أبي سلمى هذه الأبيات بحكمة بليغة و هي حكمة المداراة و المصانعة و التصرف بحكمة و ألا يسعى المرء للمواجهة في كل حين لأن من كان ذلك منهجه في الحياة يكون مآله الهلاك. ثم صور هذا الهلاك بالعض بالأنياب و الوطأ بطرف خف البعير كناية عن الذل و الهوان الذي قد يصل إليه من لم يفهم أهمية المصانعة و المداراة في هذه الحياة.
ثم في البيت الثاني يبين أهمية الجود و الكرم في العلاقات مع الناس و خاصة أهلك و عشيرتك. فمن كان غنيا و ذا سعة من الرزق و المال ثم بخل به على قومه فإن مصيره لا محالة أن يستغنى عنه و يصير مذمة بين قومه بسبب بخله و شحه.
و يستفيض في هذا المعنى في البيت الثالث حيث يبين أن صنيع المعروف و الكرم يكون سببا لحفظ شرف الإنسان و مكانته بين الناس لأن الناس بطبيعتهم يكرهون أن يذكروا بسوء من أحسن إليهم و أكرمهم. و على النقيض من هذا فإن من لا يتق الشتم بحسن المعاملة و صنيع المعروف و الإحسان إلى الناس فإن مصيره أن يشتم و يذم.
و في البيت الرابع يبرز أهمية القوة و فرض الهيبة على الناس فمن لا يحمي حوزته و عشيرته و ماله بسلاحه و قوته فإن تلك الأمور غالبا ستسلب منه و تهدم لأن البشر بطيبعتهم يطمعون في الضعيف. ثم يضيف في عجز البيت “ومن لا يظلم الناس يظلم” ولعل زهير بن أبي سلمى لم يقصد أنه من الواجب المبادرة بالظلم بل لعله قصد أن المرء يجب أن تكون له قوة و هيبة و شوكة تشجع على الظلم (و إن لم يقم به) حتى يتقي بذلك ظلمَ الناس له.
ثم يختم أبياته بحكمة عظيمة جدا و هي عدم الهوس بالموت فالإنسان يجب أن يعيش شجاعا كريما و أن لا يستحوذ على وجدانه فكرة الموت. فالموت أمر حتمي لا مناص منه و سيصيب المرء حتى لو ارتقى في السماء بسلم فرارا منه. بل المفارقة أن الموت قد يكون أحيانا أعجل للجبان منه إلى الشجاع فلا فائدة من الفرار منه و اتقاء أسبابه بل يعيش الإنسان حياته طولا و عرضا حتى تحين ساعته.
روابط الأبيات على مواقع التواصل الإجتماعي :